الخميس، يونيو 26، 2025

بعد مشاهدة "ما وراء الطبيعة".. هل المقارنة واردة مع "الفيل الازرق"؟


 كل الأشياء فريدة في جوانب معينة متشابهة في جوانب أخرى. "جيروم ستولينتز".

بعد أن أظهرتٌ ندمي لأكثر من صديق لعدم قراءتي للسلسلة قبل المشاهدة خاصة من وقت الإعلان عن تحويل السلسلة لمسلسل تلفزيوني، أخبروني أني من المحظوظين لأن العمل مختلف بنسبة كبيرة عن الروايات وإن كان المخرج قد نبهنا لذلك في البداية من أن العمل مستوحى من السلسلة.

ربما لو كنت قد قرأت السلسلة قبل، لكنت الآن أكتب عن الفروق بينها ويين المسلسل رغم علمي بأن الإختلاف حتمي بين كل وسيط منهم، الأهم أني كنت سأتفادى- بكل تأكيد - "نحس" الدكتور رفعت إسماعيل الذي مسني في بداية المشاهدة حيث أنني لخطأ ما قد شاهدت الحلقة السادسة والأخيرة أولًا!، ربما كنت سأفطن بعد دقائق أنني أشاهد نهاية أسطورة البيت، الأسطورة التي اختارها المخرج لتحوي في باطنها أسطورة النداهة ولعنة الفراعنه وتقف في الخلفية تحتضن تلك الأساطير التي اختارها المخرج لتكون فاتحة تقديم موسم أول من السلسة كعمل درامي.

المقارنة واردة ومشروعة ولكن هل هي واجبه أو مجدية ؟

كلا العملين ينتمي لأدب الرعب كما يشتركان في تيمة بطل القصة " الطبيب المحقق " فيحيى راشد طبيب نفسي يجد نفسه أمام جريمة قتل غريبة، يحاول فك لغزها من خلال حبوب مخدره تمكنه من السفر لعوالم موازيه يحاول فيها الربط بين ما يشاهده خلال رحلته في تلك العوالم وبين واقع الجريمه المطلوب منه تفكيك ألغازها. 

"أنا الدكتور رفعت إسماعيل أستاذ أمراض الدم .. ولا يوجد ما يسمى بما وراء الطبيعة"


تقود الصدفه رفعت إسماعيل – طفلًا- الى بيت الخضرواي الذي يشاهد فيه الطفله شيراز، الحدث الذي سيقلب حياته رأسًا على عقب وتجعله يغوص في أعماق (ما وراء الطبيعة) الذي ينص قانونه على رفضها، وتساعده شيراز لحل ألغاز كثيرة كان يؤمن بأهمية وفردانية العلم وحده لمعالجتها، إلا أن رؤية شيراز في طفولته قادته إلى تعديل قوانينه والإعتراف بما يسمى (ما وراء الطبيعة).

رغم إستناد كلا العملين إلى أساطير من بيئتنا الشرقية إلا أن أساطير مسلسل ما وراء الطبيعة كانت أقرب بشكل كبير إلى بيئتنا المصرية التي تحوي – بحكم شرقيتها – العديد من الألغاز كـ لعنه الفراعنة والنداهه مما جعل المشاهد يشعر أخيراً بأن هناك من هو قادر على تقديم هواجسه المصرية فيما يخص حواديت الرعب إلى الشاشه بشكل جيد والأهم من ذلك أن تكون بشكل درامي مشوق بعيداً عن عقدة الخواجه، وهو حلم وتساؤل قديم للجندي الغير مجهول د. أحمد خالد توفيق والذي حلم كثيرًا بتقديم تلك الأساطير من خلال عمل روائي – ما يتقنه وتفوق فيه – يجذب القارئ ولا ينفر منه مستدعيًا أساطير غربية تُطعم شغفه بأدب الرعب.

أثناء مشاهدة الحلقة الخامسة تحديداً كانت عناصر المقارنة بين العملين قد اتضحت تماماً. فبعد إستعادة رفعت إسماعيل ورقة التاروت الخاصه بالأحلام التي أخذها من صديقه "لوي" أثناء وجودهما معًا في صحراء ليبيا يبحثون عن ترياق السيلفيوم، تذكر "رفعت اسماعيل " وقتها نصيحة لؤي له بأن يبحث عن ما يشغل عقله كله من خلال أحلامه عبر تدريب " وعيه " على إدارك "لاوعيه" ودراسته جيدًا حتى ينقل وعيه إلى أحلامه ويسطير عليها ويطوعها كي تفسر له الغرائب التي تعترض طريقه باستمرار.

مع تناوله حبوب المنوم تذكرت وسيلة يحيى راشد في تفسير ألغاز الجريمه " حبوب الفيل الازرق " والتي علمياً لم يكن دورها – كوسيلة - مبرر بشكل كافي للربط بينها وبين ما يشاهده من أحداث مشابهه للجريمه التي حدثت في الواقع. 



أما وسيلة رفعت إسماعيل، وهنا تكمن براعة خالد توفيق في خلق وسيلة تبدو منطقية لبطلنا رفعت إسماعيل كي يستدعي" شيراز" إلى أحلامه كي يحل لغز ظهورها المتكرر وعلاقتها بكل بالأحداث التي تم إقحامه فيها بحثًا عن تفسير.

كما أنها طريقة سهله لإيهام المشاهد بقدرته على تجربتها في الواقع إذا ما أراد يوما فهم أحلامه والسيطره عليها. فكل ما يحتاجه هو مجرد نوته وقلم وتسجيل أحلامه دوريًا لفك رموزها عبر مطابقتها مع يمر به من أحداث يوميًا، لا أن يبحث عن حبوب ال "دي إم تي" أو حبوب مخدر الفيل الازرق كما رمز لها أحمد مراد مؤلف الرواية، ناهيك عن سمعتها كمخدر فهي أيضا خطيرة واغلب من تناوله لم تسر حياته بشكل جيد بعد الخروج من التجربه، هذا ما اخبرتنا به تجارب ممن كتبت لهم الحياه بعد تناولها !

وفي الأحلام قابل كلاهما ضحاياه، الطفل الذي عجز رفعت اسماعيل عن نجدته عندما غلبه الإهتمام ففقد تركيزه ولم يستطع أداء عمله كطبيب، أما يحيى فقابل ابنته "نور" التي ماتت إثر حادث سيارة، سببه قيادة يحيى للسيارة مخمورًا وعلى سرعه 160 كم/ ساعة!


وهنا برزت كل العناصر الباقية فجاثوم رفعت يمكن تشبيهه بنائل النكاح في رواية يحيى راشد وهنا الشهادة لصناع الفيل الازرق – خاصة الجزء الثاني - في إتقانهم لتخليق كل المخلوقات العجيبة بعدما رأينا رداءة تصميم الجاثوم وحركته المقضوحه بعض الشئ للمشاهد الذي يعرف عنصر السي جي أي أو كما يشاع بين أكثريتنا " الجرافيكس ".

من ضمن المتشابهات أيضًا في تكوين الشخصيتين على الشاشة، حديث البطل الداخلي، يحيى راشد كان صوت حواره الداخلي لكشف دلائل صدق/كذب الشخصيات التي يقابلها عن طريق تفسير لغة جسده – تخصصه الأساسي – أما رفعت إسماعيل فكان يسخر داخليًا من كل من حوله.


" التدخين بشراهه " وهذه السمه دلاله على مدى التوتر الذي يتنفسانه كلا الشخصيتين وإن كان يحيى يدخن الحشيش ويشرب الكحول الى جانب تدخينه الشره.

" النهاية " .. في الجزء الأول والثاني من الفيل الأزرق يقوم يحيى بفك بعض الطلاسم وترجمتها إلى عبارات تحرر أجساد شريف الكردي وفريدة من الجن، بينما يقوم رفعت إسماعيل بإستخراج جثة شيراز من القبو حتى تتحرر روحها ويقوم بدفنها في فناء البيت.

ولكن الحدث الأهم الذي تنتهي به أحداث كلا العملين، هو التساؤل الذي يفتح أذهان المشاهدين، فبعد إستيقاظ يحيى راشد وظهور رسوم الوشم على جسده يسألنا مؤلف الفيل الازرق ومخرجه عبر الصورة : هل نائل داخل عقل يحيى أم داخل جسده أيضا؟، أما رفعت إسماعيل فيتسائل، لوسيفر شخصيًا! الشيطان عايز مني ايه ؟!

برغم تحيزي لمسلسل ما وراء الطبيعة إلا أن صناع الفيل الأزرق فتحوا لنا باب تقديم ما يعرف بسينما الرعب.


لو لم تكن الأشياء متشابهة فيما بينها في نواح معينه لما أمكننا التعرف عليها أو تصنيفها."جيروم ستولينتز".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اخي واختى
الاختلاف في وجهات النظر لا يفسد للود قضية