الثلاثاء، مايو 27، 2025

تفصيلة مُبتكرة "هز" بها محمد أبوسيف "وسط البلد "

 


هز وسط البلد فيلم من أفلام اليوم الواحد، فخلال ثمان ساعات في منطقة وسط البلد بمدينة القاهرة، تتداخل حكايات مجموعة من الشخصيات المختلفة إستعرض من خلالها المخرج والمؤلف محمد صلاح أبوسيف الأمراض الاجتماعية التي أصابت المصريين من تطرف وإنحدار للفن وللقيم والأخلاق، وكان أسم الفيلم معبرًا. إنها – وبحق - عملية "هز" كما يفعل الغربال.

وكما تشابكت قصص الشخصيات وتداخلت في زحام الشارع أيضا تشابكت تفاصيل الشارع مع الموضوع والشخصيات، مثل الوحات المعدنية للسيارات.

أستخدم أبوسيف (إبن صلاح أبوسيف) – بذكاء – اللوحات المعدنية الجديدة التي كانت قد أقرتها إدارة المرور في عام 2010 والتي تحمل حروف وأرقام، وضع أبوسيف عناوين للمواقف وللشخصيات من خلال إستغلال حروف اللوحات، تفصيلة ذكية تندرج تحت بند اللغة السينمائية، وهي تفصيلة تعود بنا إلى زمن السينما الصامتة عندما كان المخرجون يضعون عبارات كعناوين توضيحية ولكن تلك المرة تناولها أبوسيف  بشكل جمالي، في خلق فضول لدى المشاهد ومنع عنه الملل وحفز تركيزه لكي يظل منتبهًا طوال مدة عرض الفيلم.

كانت أولى اللوحات عنوان لليوم الذي ستدور فيه الأحداث فأستهل أولى لقطاته بـ لوحة لسيارة نمرة (ي و م) ولوحة لسيارة أخرى (ط ي ن)، يوم طين.



وعند توقف سيارة توزيع الصحف نلمح لوحة حروفها ( ك د ب ) في إشارة لتدني مستوى الصحافة.

ومع إنتهاء الحديث الغامض وبعد ذكر أمن الدولة في حديث منذر ريحانه والشيخ رفاعه(عمرحسن يوسف) تأتي نمرة سيارة (رع ب) وبعد ذلك سيتكشف لنا أن منذر ريحانه إرهابي يريد تفجير المكان، والشيخ رفاعه مصمم القنابل.

ومع تدخين الطفل لسجارة تمر سيارة نمرة (ط ف ل) تتعجب من إعطاء صاحب المحل (مصطفى درويش) للطفل سجارة ليدخنها.



ومع رمي أحد زباين القهوة اللواء السابق بالجيش مدحت(حمدي ندا) لكيس به ساندوتشات للأطفال في الشارع تمر سيارة نمرة (ج وع) خاصة مع تهافت الأطفال على الكيس، وهي لوحة ربما تحمل أكثر من معنى!

ومع الجدال بين صاحب المحل الحاج يكن(علاء زينهم) وابنه حسن(مصطفى درويش) على ما يبيعه في المحل من كروت شحن وأشياء أخرى ليس لها علاقة بأدوات التدخين تمرسيارة تحمل نمرة (زم ن) ندم وحسرة على الزمن بعد أن أنهى الإبن المحادثة والجدال مع أبيه بأن أداوات التدخين راحت عليها خلاص، والناس مبتشربش بايب زي زمان وبتشرب بانجو ياحج.

ويقف تاكسي أمام الكاميرا يحمل نمرة (و غ د) ونسمع صوت خناقة الزبون مع السائق لأنه مش عايز يدفع 20 جنيه ثم نشاهد وجه الزبون حسين مؤنس(فتحي عبدالوهاب)، الوغد، والمخرج هنا لا ينعته بالوغد لمجرد فصاله مع التاكسي ولكن هو يمهد لنا ما سيحدث من حسين مؤنس بعد ذلك عندما يراود الشحاته حورية( إلهام شاهين) عن جسدها، مستغلًا فقرها المتقع وحاجتها للمال لإطعام أطفالها، وعندما تستجيب حورية له وبعد إنتهاء ما حدث بينهم في أحد مخازن السينما تمر سيارة نمر (ن ج س).



وعاد المخرج ليستخدم حروف لوحات السيارات كتحذير أو تمهيد للمشاهد لما هو مقدم عليه، حيث أن المشهد التالي مرت سيارة ربع نقل حروفها (ف ق ر) وبيفتح الكادر لترى حوريه الشحاته وشيماء سيف وعدد من الغلابة وهم على طبلية السيارة.

وبعد مشهد محاولة شراء حسن يكن لمخزن الشيخ رفاعه على 2 مليون جنيه والفصال في السعر مرت سيارة نمرة (س و ق) سوق، عرض وطلب.

وبعد مشهد محاولة إقناع رجاء(حورية فرغلي) للشحاته حورية بإنها تسمع كلام حسين مؤنس الـ (ن ج س) والـ ( و غ د) وتبيع عيل من عيالها تمر سيارة نمر (ب ي ع)!

وبعد إعتراف حسن لأبيه يكن صاحب المحل بأن ما يدفعه رشوة لموظف الحي ليظل الشارع نظيفًا ومحميًا من البلطجية وغضبه من أن عم يكن مازال يعيش في الزمن القديم -الجميل- فمنطق عم يكن أنه كفاية دفع زكاة المال والضرايب حتى تسير الأمور على ما يرام، وعدم درايته بالتغير الذي حدث وغياب الحكومة عن كل شئ تمر سيارة نمر (ك ر ب) في إشارة لما إنتهت إليه الأمور.


وعند إصطحاب ليلى عزالعرب لمحمود قابيل(منوفي بيه) لشقتها وهي التي تتحرش به منذ بدء الفيلم وتمتلئ عينها بالرغبة فيه، مرت سيارة نمر (ج ن س) نوه بها المخرج عن شكل علاقتهم.

وبعد مشهد إتفاق فتحي عبدالوهاب أو حسين مؤنس مع إحدى الفتيات التي ستجلب الزبائن للسينما وهي مهنة تشبه الريكلام في الكباريهات والبارات تمر سيارة نمر (ق و ا د 666( وهي المرة الأولى التي يستخدم فيها المخرج الأرقام أيضًا رفقة الحروف، قواد ستات!

وبعد إنهيار منوفي بيه أمام منزل ليلى عزالعرب وسقوطه مغشيًا عليه تمر سيارة نمر (ع ج ز).

وقد يعاب على أبوسيف إفراطه في إستخدام لوحات السيارات عمال على بطال حتى في أتفه المواقف،

كمشهد حسين مؤنس والصول عثمان وهم بيطلبوا أكلة كباب من مرعي مندوب المنتج تمر سيارة نمر (ط ف س) فالوغد النجس بالضرورة طفس وجشع، وعندما أخذت رجاء(حورية فرغلي) أفرول عامل النظافة مرزوق، أراد زميله مدبولي تأجير أفروله هو كمان فعرضت عليه رجاء عشرة جنيه فوافق ومرت سيارة نمر (ر ز ق)، وعندما كشف كريم(موظف الحي) الملعوب، فرجاء كانت تستغل الأفرول في التسول وبخها كريم بشدة ولكن ليس لإنتحالها صفة موظف أميري أو إستغلالها الأفرول الميري ولكن السبب كان رفضها إقتسام حصيلة تسولها معه، لتمر سيارة حروفها (ع ب ث) وهو شئ يفوق العبث حقًا!

وبينما كانت تبكي حورية الشحاته وتصرخ "رجعولي بنتي" وحواليها كرم(أمير شاهين) وإبتسام(زينة) ورجاء(حورية فرغلي) تمر سيارة لوحتها (هـ م)، هم ما يتلم.



ومرورًا على التعليقات الطريفة من المخرج على شخصيات فيلمه مرت سيارة نمر (ز ا غ) واصفًا موقف منوفي بيه بعد ما شرب شوربة الكوارع وعرضت عليه ليلي عز العرب مجددًا انه يطلع يريح فوق في شقتها فـ زاغ وهرب منها مسرعًا.

أما المدرس(كريم كوجاك) دفع جزء من الحساب إللي عليه للمعلم بدر ووعده أنه هيكمل باقي الحساب بكرة فمرت سيارة نمر (ت ن ح)، وعندما شاهد المعلم بدر(علي حسانين) المدرس وهو بيلم فلوس الحصة من التلامذه، خطف الفلوس من يد كريم كوجالك وقاله: دي بقية حسابي وكده حسابي خلص، مرت سيارة نمر (ع ل م) علم عليه.

وعن الإبتذال الذي طال الفن كان أبوسيف مباشرًا جدًا حيث سمى الفيلم المعروض، فيلم "الصدر والورك"!

وعندما اصطحب طارق(أشرف مصيلحي) الصحفي رؤف(رامي غيط) ليعرفه على منتج الفيلم وصاحب السينما(تامر عبدالمنعم) ويتوسطله عشان يدخل السينما يتفرج على الفيلم ببلاش وينوبه من المنتج قرشين تمن مقاله سيكتبها متغزلًا في الفيلم، قام المنتج عمله إختبار وسأله: نعلق مجسم الورك هنا ولا هنا؟ فقاله رؤف: انت تحب نعلقه فين؟ فأثنى المنتج على مفهومية رؤف وظهرت سيارة نمر (و ر ك) وكنت أرى لو كانت لوحة السيارة ( رُ خ ص ) كانت ستكون معبرة أكثر فمجسم الورك موجود بالفعل ولا يحتاج للوحة سيارة، أما لوحة الصدر فظهرت عندما عرض الصحفي روؤف على المنتج يعلق صورة لبطلة الفيلم يحتل صدرها جزء كبير من الصورة، انه يعلقها في وش إللي داخل فألقى المنتج دعابه وقال أو في صدره وضحك الجميع ومرت سيارة نمر (ص د ر) وربما كانت لوحة السيارة أوقع لو كانت (ب ي ض)، وممشش.

وبكل تأكيد فيلم كهذا وتاجر لحم أبيض يدعونه بالمنتج السينمائي وفتاة ليل تبيع جسمها يدعونها ممثلة، لن تكتمل لوحة عارهم وإبتذالهم إلا بحضور البهرجة التي تستلزم البذخ، فكانت لوحة السيارة (ب ذ خ) عندما أجرى منتج الفيلم إتصالاً يستعجل فيه سناء بطلة الفيلم إنها تنزل عشان الافتتاح، فتشترط عليه سناء يجيب عربية ليموزين طويلة، قالها : إنتي لو نزلتي من بيتكم هتبقي في السيما عشان بيتها جوا الشارع إللى فيه السيما، فرفضت فأحضر لها سيارة ليموزين بالفعل نمرها ( ب ذ خ )!

 


وعن المصير القذر لرجاء(حورية فرغلي) مرت سيارة لوحتها (فُ ج ر) بضم الفاء، بعدما باعت رجاء جسدها للسيده الخليجية التي تهوى السيدات، ولكن الفُجر عندما قالت رجاء لصديقتها إبتسام(زينة):

" مش أنتي لقيتي عريس؟"، فشبكت رجاء يدها بـ يد السيدة الخليجية وقالت " وأنا كمان ".

أقسى مشاهد الفيلم، شهد حضور أنوشكا التي كانت ستشتري عيل من عيال حورية الشحاته!، وبالفعل أخذت بنت حورية الشحاته عنوة بعدما تراجعت حورية في موافقتها وغلبتها مشاعر الأمومة رافضة بيع أحد أبناءها بعدما كانت قد أطمأنت لكلام رجاء بأن إستعادة الإبن ثانية بعد البيع أمر سهل طالما تملك شهادة ميلاده وتملك شهود على ذلك، تمر سيارة أنوشكا ولوحتها ( ر ا ح ) إللي راح ما بيرجعش فعلًا!

أما أهم لوحة فقد احتفظ بها المخرج لنفسه حرصا على عدم حرق مفاجأة الفيلم.

فكانت شخصية كرم/أمير شاهين الذي كان أسمه مطابق لأفعاله، كله جود وكرم حقًا، ولكنها كلها أفعال تنتدرج تحت بند الخداع الإستراتيجي فهو كان الوغد المستتر، وكنت أرى أن اللوحة المناسبة له ستكون ( غ د ر ) فعندما كشفت له إبتسام عن سرها، مخبأها السري لتحويشة عمرها " الغوايش الدهب " سألها " مش شايلاهم في بيتك ليه ؟ " أجابته " أصلك ما تعرفش إخواتي، وأتضح أنها لم تعرفه فمرت سيارة لوحتها ( خ و ف )، كانت تصف شعورها ناحية إخوتها، أما اللوحة التي احتفظ بها المخرج ولم يعرضها كانت ( غ د ر )، فعوضًا عن اللوحة التي لم تظهر، كان الكرم المبالغ فيه من شخضية كرم إختبار للحاسه السادسه لدى الجمهور!

وأخيرًا يبقى السؤال هل تغلب غدر كرم الذي بالمناسبه لم يطُل إبتسام فقط! بل إمتد لأكثر من شخصية في الفيلم، هل تغلب على نجاسة حسين ورُخص روؤف وإبتذال المنتج وتناحة المدرس وشهوة ليلى عزالعرب ؟